بحث في الموقع

القاص والروائي أحمد الدويحي أخلص لإبداعه الروائي، وكعادته في الصراحة والجرأة انتقد الدويحي في الحوار الذي أجراه معه (الجسر الثقافي) مجاملات بعض النقاد، ومحاولة طرحهم لآرائهم من خلال التسلق على روايات الآخرين

وكما سماه «وضع مكياج لبعض الكتاب»، واعتبر أن خوف البعض من الرواية كونها تكشف المجتمع من الداخل، كما انتقد بعض دور النشر المحلية التي تستغل الكتاب

علاقات عامة

  يقول الدكتور حسن النعمي:  «أحمد الدويحي من الكتاب الذين ظلموا كثيراً مع أنه كاتب متعدد، ويشكل في تجاربه،  لكنه غير محظوظ مع النقاد»،  هل تتفق مع وجهة النظر هذه؟  وما السبب في هذا الظلم من وجهة نظرك؟

-بعض النقاد وجد في الرواية نافذة لتسريب أطروحاته، ويعجزون عن أن تأتي أطروحاتهم هذه مستقلة، لذا يعبرون عن توجهاتهم خلال ما يقومون به من نقد،  ولا نستغرب أن يحدث بعضهم الضجيج المعتاد في كل مناسبة ليلفت الانتباه إلى شخصه،  وآخر لا يستحي، يصف نفسه بدستوفسكي،  وثالث يوزع أخباره برسائل الجوال، في العام الواحد صرنا نفرح بصدور ثمانين رواية،  وكنا نتوسل رواية واحدة كل ثلاث سنوات. والحرية عند احمد الدويحي ظلمت الإنسان الاجتماعي على أوجه عدة، وحرمته كثيرا من فرص الحياة، ولست نادماً.

 ولم أشعر يوماً بالظلم كنتاج للكتابة، ولو رأيت موظفي علاقات عامة يشتغلون على نتاج بعض كتاب الرواية، لأن الكاتب واجبه الكتابة ولا غير، وسألت الدكتور حسن النعمي عن رأيه الذي نبهني بعض الأصدقاء إليه، فقال ضاحكاً ومازحاً: (شكلك  مو حلو) وعندي ثقة بأن شكلي بلا مكياج أحلى من شكل  بعض النقاد الذين يضعون المكياج على وجوههم!.

حضور الرواية

  تصرح دوما بأن المجتمع مازال ينظر للفنون بنظرة دونية،  متى يمكن برأيك تجاوز هذه النظرة؟

-المجتمع يمارس ازدواجية في سلوكه وحياته، وينظر إلى الفنون نظرة دونية،  وهذا هو سبب حضور الرواية المتأخر،  ونكشف ذلك في حضور الرواية خارج عالمها الكتابي أكثر مما تجده من ترحيب في الداخل، ولم أجد بعد أصدق من وصف الروائي الكبير عبد الرحمن منيف، في امتحانه لجملة من الأفكار والأطروحات في مرحلة الستينات والسبعينيات كحالة خاصة، ولا زالت قضاياه بجانب حالات التطرف البدائية في السلوك والتفكير والمتناقضات في البيت الواحد، وتجد هلامية العلاقات الممتدة  والوهم والعادات والمصالح والانتماءات التي تتشكل تحت قشرة وهمية.

والمجتمع السعودي وجد في الرواية مساحة شاسعة،  ليتنفس ركاماً من العادات ،والعقد وتغييب الأطياف والقضايا الأخرى، لأن الطرح من هذه الزاوية ومن نافذة الرواية بالتحديد،  يسطح الفن وينظر له بدونية،  ويخرج بالقضايا عن كونها قضايا وطن، لتتحول إلى محاور صراع جدلي لا ينتهي،  ولننظر ببساطة، لماذا تسقط قضايا المرأة في أي حوار، ونثير حولها كثيرا من المواقف والأزمات ؟ فالازدواجية التي نعيشها مزمنة وقاسية ندعي لها الخصوصية، ونشاهد في ذات الوقت نقيضها، ونقرأ كل يوم مئات االقضايا الغرائبية والعجائبية عن المجتمع، وتتسابق المواقع الالكترونية والمنتديات على نشر ذلك، فكم تسكن كثير من الموبقات تحت تلك القشرة الواهية، إذن نحن لسنا مجتمعاً من الملائكة.

فن الكشف

  ينظر المجتمع بريبة إلى الرواية،  ولا تنطبق تلك النظرة على الأجناس الأدبية الأخرى، فما سبب هذه النظرة؟ ، وهل ترى إمكانية تحقيق مصالحة بين الرواية والمجتمع؟

-الرواية تحاول أن تتلبس مفاصل الحياة وتكشفها، والرواية فن مواز للواقع، والمجتمع الذي مارس رقابة شديدة على الإبداع بصفة عامة، والرواية بصفة خاصة عقوداً من الزمن، فطبيعي أن تتخذ بعض شرائحه وأطيافه،  موقفها الرافض من الرواية بعمومها،  لأن طبيعة الرواية هي فن الكشف،  والفن الذي تدخل في نسيجه كل الفنون،  والرواية تريد أن تذهب إلى الداخل السري،  لتكشف الوجوه الأخرى لشخوصها وتعريهم، وهناك شرائح  لا تريد بالتأكيد،  وهل المجتمع الذي يتسم كما يرى بخصوصية يستطيع أن يصمد ويتماهى مع كل متغيرات الزمن، ويختبر جملة من الأطروحات التي جاءت من  الخيال؟!

  دور النشر

  انتقدت بعض دور النشر المحلية، فما السلبيات التي تلاحظها عليهم؟

-دور النشر المحلية تفرغت حقبة من الزمان للمناقصات الحكومية في مرحلة الطفرة وما زالت، وكثير من الكتاب وقع للأسف ضحايا لدور النشر التجارية.

قراءة مكثفة

  يجد القارئ في أعمالك انجذابك وتعلقك بالتراث،  هل هو مصدر إلهامك الأول عندما تشرع في تأليف أي عمل جديد؟

  دائما أحتاج إلى قراءة مكثفة قبل كتابة أي نص روائي،  وقد تكون القراءة شعرية، أجد فيها ملاذاً لروحي بين النصوص،  لبراعة التوظيف الأسطوري المتجددة،  وأتلذذ به بتلقائية كجزء من النص الحي،  وقد أدفن همومي وتعبي بين دفتي رواية، وأذكر أني قبل كتابة رواية (ثلاثية المكتوب مرة أخرى) كنت بحاجة إلى قراءة مكثفة في التراث لمجرد أن إحدى بطلات النص (بلقيس) وهي مذكورة في حضارات أمم وشعوب أخرى، وما نردده وما جاء تأكيده في القرآن، عن قصة بلقيس وسيدنا سليمان، وقد أفادني الصديق ناصر الحزيمي، رجل التراث،  بكتب ومصادر كثيرة أشكره عليها.

  ويوجد في هذا العالم الميتافزيقي نصوص دينية في التراث العربي، كما رسالة الغفران لأبي العلاء المعري،،والعجيب أني كلما قرأت طبعة،  وصلتني طبعة أخرى من صديق آخر، بحجة ان التي قرأتها من قبل غير محققة، فأنا لست باحثاً،  فرأيت هذا تنوعا للذائقة،  وأيضاً تأملت في (الكوميديا الإلهية) للإيطالي دانتي،  وقد وجدت في البداية والنهاية عند ابن كثير الكثير مما أريد.

المتعة والجديد

  البعض يفضل متابعة كاتب ما، وآخرون يفضلون اكتشاف كتاب جدد، فإلى من تميل إلى الصنف الأول، أم الثاني، أم إلى رأي آخر؟

-لا يهمني من الكاتب،  بقدر بحثي عن المتعة والجديد من فنون وتقنية الرواية، وقراءتي حرة وقد أخجل الآن، حينما أتذكر أن في مكتبتي كتباً لأصدقاء، اشتريتها أو وصلت بالإهداء، لم أجد الوقت لأقرأها ،فرواية (من وحي الآخرة) أخذت وقتاً طويلاً وتحضيراً نفسياً مضنياً،  فالتأمل في بعض الأفكار والهواجس ولغة الرؤى والأحلام، يحتاج إلى استدعاء وتجارب ذهنية وعقلية ومعرفية.

موقع الناقد

  ما الذي يجعلك تتوقف عن إكمال قراءة عمل ما؟

حينما أدرك أين أصبحت في موقع الناقد لا للقارئ الباحث عن المتعة،  لا أعود للرواية مرة أخرى، وهناك روايات كثيرة عربية وعالمية شهيرة لم أكمل قراءتها.

روائيون سعوديون

  هل يمكن القول بأن هناك روائيين سعوديين حققوا ذاتهم في العالم العربي،  وهل هذا التفوق كان وراءه اجتهاد فردي؟

-نلاحظ تعاقب الأجيال وتداول الفنون والأجناس الأدبية للحضور،  ونسمع بتفوق مبدعين على نظرائهم في العالم العربي،  في مختلف الأجناس الأدبية والفنية،  وما حضور الرواية المحلية بقوة في المشهد الثقافي العربي رغم صدورها المتأخر، إلا دلالة لوجود أصوات إبداعية قادرة على العطاء،  وللأسف فإن كل ذلك العطاء يأتي بجهود ذاتية، بدءاً من توفير الكتاب للقراءة حتى تشكيل عالم الكتب.

النخبة المثقفة

    هل ترى أن النخبة المثقفة منضبطة أم أنها منساقة وراء قضايا شكلية؟

النخبة الثقافية من كتاب الرواية ونقادها، ينساقون في الهوامش ويطرحون القضايا الشكلية، ويعيدون ويزيدون حول قضايا محددة بذاتها.

------------------------------------------------

المصدر: صحيفة اليوم