بحث في الموقع

حوار - مسعدة اليامي
غربة الحياة وقسوة التقاليد المجتمعية، جعلت منه كائناً ليلياً وصديقاً للكتاب، كانت الحياة في الرياض لا تتيح الكثير من الخيارات الجاذبة للترفيه وتزجية الوقت، فكان الكتاب متنفسه الطبيعي مع ندرته، إنه القاص والروائي والكاتب أحمد الدويحي الذي يقول عن نفسه في ثنايا حوار مطول مع «اليمامة» «كنت كعود لشجرة غرست في غير بيئتها، فتغالب قانون الطبيعة وعوامل التعرية، لتبقى خضراء زاهية ومؤرقة»


غربة الحياة

،، بداية الكتابة الإبداعية تبدأ من القراءة فما الذي كان يحرص أحمد الدويحي على قراءته في فترة شبابه؟

- قرأت كل ما كانت تقع عليه عيني، وكل ما يقع تحت يدي، وقد وجدت أني منحاز للكتابة النثرية منذ البداية، لا شك أن الذائقة الشعرية تولد معنا في الجزيرة العربية، فليس منا من لم يجرب الشعر قراءة وسماعاً وحفظاً وترديداً وربما كتابة، كنت أجد سهولة وشيئاً مما يدغدغ العواطف، ومتعة في قصص إحسان عبد القدوس والمنفلوطي والسباعي ونجيب، أكثر مما كنت أجده في الكتب الفكرية والتراثية، غربة الحياة وقسوة التقاليد المجتمعية، جعلت مني كائناً ليلياً وصديقاً للكتاب، كانت الحياة في الرياض داخل بيوت طينية، ومدينة لا تتيح كثيراً من مباهجها، بل تكاد تكون مفقودة، فكان الكتاب متنفساً طبيعياً مع ندرته، كنت كعود لشجرة غرست في غير بيئتها، فتغالب قانون الطبيعة وعوامل التعرية، لتبقى خضراء زاهية ومؤرقة ولم يكن يتم هذا إلا بالقراءة، والقراءة المكثفة في مراحل تالية والكتاب رفيق في أي مكان، ويمكن أن يكون ورطة لذيذة بتعدد مصادر الاقتناء.

،، متى بدأت الكتابة، ولماذا انتقلت من محراب القصة إلى فضاء الرواية؟

- في نهاية المرحلة الثانوية، كنت أرسل قصصاً قصيرة للأستاذ سباعي عثمان، وكان مشرفاً ثقافياً في عكاظ، نشر نصاً وكتب في رسائل للقراء دعوة لتواصل صاحب النص معه، وكانت نتيجة التواصل تذكرة سفر في بلاط صاحبة الجلالة، وبدأت من حينها الكتابة في عكاظ، وتوقفت عن نشر النصوص القصصية لسنوات، ولم أستمر في عكاظ، ومع أني انتقلت للعمل في صحيفة الرياض، ومن ثم في هذه الفاتنة الفتية مجلة اليمامة، فقد هجرت عالم الصحافة بلا ندم، وبقي الهم الكتابي الأدبي هاجساً يطاردني، وكنت أكتب نصوصاً قصصية متباعدة هنا وهناك، وحينها كانت القصة القصيرة تشكلُ الجنس الأدبي الثاني، وتعد الأكثر حضوراً بعد سيد الفنون الشعر، الرواية كانت الحلم المؤجل وكانت غايتي منذ البداية، ولكنها كانت تحاط بكثير من المحاذر، ولم يكن بعد قد تهيأ لها المناخ الثقافي والاجتماعي، لتأت هذه الطفرة الكتابية للرواية، فكنت في مقدمة جيل الكتابة الروائية.

دون الطموح

،، ما الروابط التي كانت تنشأ ين المثقفين من أجل خدمة الثقافة والمثقفين والحركة الثقافية؟

- كانت وما تزال الحركة الثقافية في بلادنا للآسف، لا تشكلُ الغاية الرفيعة لطموحات المثقفين، القائمون على المؤسسة الثقافية موظفون، والثقافة يصنعها مثقف وليس موظفاً، الملاحق الثقافية في الصحف المحلية، كانت تصنع حراكاً أكثر مما تفعل الأندية الأدبية الآن، كثير من الأسماء المعروفة الآن خرجت من الملاحق الثقافية، أستطيع أن أقف على محطات كثيرة من حياتنا الثقافية، ولكن أظن أن كل شيء مكشوف ولا يحتاج إلى ضوء، والمؤكد أن الأديب في بلادنا يفتقد للكثير، وأولها البيئة التي توفر له فضاء ليبدع وينتج، وبالتأكيد الأسماء التي تجاوزت الحدود بنتاجها، وصلت كقيمة بجهودها الذاتية الخالصة، وتعبها بلا أي دعم من أي جهة تذكر..

،، بعد أن يقدم المثقف ما يشعر أنه يستحق، ما الذي ينتظرهُ؟

- المثقف المبدع يحمل رسالة، أو هكذا أزعم وما زال زعمي باقياً، ويتعين عليه أن يؤدي رسالته بجد وإخلاص ومصداقية، شيوع أدب المبدع وجوهر رسالته الإنسانية هو غايته، وحتماً عليه أن يتقبل ردود فعل أدبه، هناك من ينتظر الجوائز ويسعى لها، ويتبع عدة وسائل وطرق لبلوغها، وهناك من يبتغي الوجاهة والشهرة والمال، وهذا غير طبيعي ولست من هذه الفئة تماماً، ولست مستعد أتحول إلى موظف علاقات للمبدع في داخلي، فالأدب الرفيع يحفل بقيمه ويصون مواقفه المتنوعة، الأدب يورث الهمّ والوجع ولا يورث المال، وكل عباقرة التاريخ الأدبي والفكري في الكون، عانوا بسبب أدبهم وبالذات في العالم العربي.

،، ما زلت مؤمناً بأن هناك شللية في الوسط الثقافي، وعلى أي أساس بنيت ذلك؟

- الشللية شيء طبيعي في غياب فضاء ثقافي نقي، ولكن من الممكن أن نأخذ منها ظاهرها الإيجابي، وخرجت هذه المقولة في زمن الحراك الثقافي في الصحافة، وكان يحسب على كتاب الحداثة الذين واجهوا حروباً غير عقلانية، أنهم لا ينشرون إلا لبعضهم وهذا أيضاً شيء طبيعي، فالتيارات التقليدية منغلقة وتتقيد ببقاء الراكد والسائد، وهذا منطق ضد سنن الحياة ومتغيراتها وضد الحياة الأدبية ذاتها، فالأدب فعل إنساني مشترك مع الآخرين، وجاءت وسائل التواصل الحديثة لتكون نوافذ مشرعة مع الآخر، وبرزت كثير من القضايا التي كان مسكوت عنها، وتناقش بكثير من المواربة والاستلاب، الآن أرى نوع من الشللية البغيضة وتتمثل في فعالية المؤسسة الثقافية، فالمدعون لمناسباتها معظمهم يمثل طيفاً أدبياً محدداً، والشللية الظاهرة التي لم أجد لها حلاً إلا السعي خلف المال والشهرة، فأساتذة الجامعات بعضهم تخلى عن بحوثهم وقيمتهم المعرفية، وأصبحوا أعضاء في الأندية الأدبية وزبائن في كل مناسبة، يعرضون أوراقهم المكررة في كل محفل مرة ومرتين وثلاثاً.

خارج الحدود

،، ما الذي يشغل المبدع في بداية مشواره الأدبي، وبعد فترة من الإنجازات؟

- المبدع في الواقع المحلي لا يفتعل المعاناة، فنحن لم نجد دور نشر تحتفي بنتاجنا، فالرواية المحلية ولدت بالتأكيد خارج الحدود، وحينها كانت دور النشر المحلية تطارد المناقصات الحكومية، وتبرم العقود معها والأدب خارج همومها واهتماماتها، المبدع في واقعنا الثقافي إنسان يضطر أن يثقف نفسه، ويحتفي بهمه ويقبض على جمرته، ويكتب وينشر ويوزع نتاجه، ويقتات ويعيش ويصرف على أدبه في الوقت نفسه، كل هذا من عائدات مهنة أخرى لا تنتسب للأدب، مضى زمان بعيد ونحن نتطلع إلى التفرغ، نظام يطبق في كثير من الدول العربية، وتقوم بالدور في العالم الغربي دور النشر، وقد ترفع مبيعاتها لكاتب ما إلى السماء، وهذا غير ممكن في واقعنا.

إزاء كل هذه المعضلات، أتخيل أن المبدع يسعى في بداية حياته، لتثقيف نفسه وقراءة كل جديد، ومحاولة تشكيل فضاء له خصوصيته، فضاء يوازي الواقع ويتماس معه، والمبدع ليس له محطة يتوقف على رصيفها، المرض والفقر وربما الشيخوخة محرضات، تدفع الأديب المحتشد لصيانة هذا الواقع وسد ثقوبه في نص، يبتغي الكمال ولو كان من نتاج الخيال.

،، وأصبحت ثقافة معارض الكتاب بالسعودية عينين في رأس، في رأيك ما الجديد الذي يتوقع أن يقدم من معرض جدة الدولي للكتاب؟

- معرض الكتاب بالرياض طفرة ثقافية مهمة جداً، وجاءت في وقتها بعد أن كنا زبائن دائمين، نرتاد معارض الكتاب في الدول العربية شرقها وغربها، ومعرض الكتاب ليس مجرد تظاهرة تسويقية، لكنه تبادل معرفي ولقاءات متنوعة رغم أن الجهة المنظمة، تقع في كل عام في الإشكالية الشللية نفسها، وتكاد فعاليتها أن تكون قليلة أو معدومة الدسم، وأظن أن بدايته أقوى مما هو عليه الآن، ويعود السبب إلى فوارق بين ذهنية الموظف والمثقف، والكتاب شيء مهم وثمين في حياة الإنسان، والآن أصبح من الممكن أن تشكل مكتبة ثرية، وتحملها معك حيثما تكون في جهاز صغير، ومعرض جدة القادم آمل أن يليق بهذه المدينة الحية، فالكتاب في حد ذاته صناعة، أعتقد لن تعمر طويلاً في مواجهة التقنية، وعلينا من الآن توثيق نتاجنا ليبقى الجيد منه تراثاً للأجيال القادمة، ومعرض جدة أتوقع أن يحصد نجاحات تفوق معرض الرياض، بشرط أن تكون له فعاليات ثقافية خالية من وصاية حراس الفضيلة، فمكانهم خارج المعرض والمعرض تظاهرة ثقافية وفنية متنوعة لكل شرائح المجتمع.

،، الكتب الممنوعة مرغوبة، فلماذا ما زال ذلك التحرز قائماً إلى وقتنا الحالي، ما شعورك عندما يمنع دخول كتابك؟

- قيل: إن كل ممنوع مرغوب، فما هو ممنوع اليوم سيكون متاحاً غداً، والآن مع تعدد النوافذ الثقافية، لم يعد هناك شيء لا يمكن رؤيته وقراءته والاطلاع عليه، كثير من الكتب التي كنت أتمنى قراءتها، حصلت عليها إلكترونياً وقرأتها، وندمت على اللهفة والزمن الذي بذلته من أجلها، أنا ضد الرقيب أمس واليوم وغداً، وأرى أنه لم يعد له داع الآن ولو بيدي لألغيته، وأتذكر أن الأزهر لما منع (أولاد حارتنا) رواية نجيب محفوظ في مصر، صنع لها شهرة فكانت توزع كالخبز في العواصم العربية، وأتذكر أني وجدتها مخبأة في كيس بائع صحف يماني، يتخذ من رصيف بشارع البطحاء في الثمانينيات الهجرية مكاناً له، ويعرف زبائنه الطريق إليه تماماً ويعرفهم، والرواية في النهاية فازت مع الثلاثية بجائزة نوبل وطبعت بعدة لغات، والقارئ المصري آخر من أطلع عليها.

كتبت سبع روايات ومجموعتين قصصيتين، المجموعتان ورواية واحدة من أعمالي، هي المجازة والمفسح تداولها وبيعها في المكتبات فقط، وأكتفي في معرض الرياض بحضور الباقيات التي لم تنفذ نسخها، ولا أجد رغبة في طباعة نسخ جديدة، كما لم أجد رغبة من قبل في فسحها وهو أمر ممكن، لكني كسول ولا أحب أقف في مواجهة موظف، أتوسل له ليتغاضى عن شطحاته المعرفية، ولكي يتسق مع تعددية التأويل الأدبي، ويتجاوز الزمن لفسح نتاج أدبي.

انتهت مهمتي

،، في رأيك ما الذي يهم المبدع أن يصل إلى المسؤول أو إلى الجمهور، وما نوع الجمهور الذي يسعى للوصول إليهم؟

- لا أكتب لقارئ افتراضي، مهمتي هي الكتابة بشكل يليق بغايتي منها، وقد أجد قارئاً يرفع قيمة النص، وقد أجد آخر يستخرج مثالبه، وفي كل الحالات لن أدافع عن النص، فقد انتهت مهمتي في نهاية الكتابة، لكن هناك قضايا أظل أدافع عنها، كلما كنت مقتنعاً بوجاهتها الإنسانية، وأطمع ولو لم أكن مخططاً لذلك، أجد القبول لنصي بين كل الشرائح.

،، بعد مشوارك الأدبي كيف ترى الرواية السعودية، وهل حققت المأمول من خلال انتشار بعضها وترجمة البعض؟

- الرواية المحلية وهي جزء من الرواية العربية، ودعيني أقرب الرؤية فالرواية لا تنتسب لجنسية كاتبها، فكتاب عرب سبقونا وكتبوا عن الواقع المحلي، كما أن هناك بيننا من جنسيات مختلفة من قارات العالم، كتاباً يعيشون بيننا وكتبوا روايات متنوعة ومدهشة عنا، فلا يمكن أن نمنحهم هويتنا، لمجرد أنهم تناولوا الواقع المحلي في كتاباتهم، وكتاب سعوديون عاشوا وكتبوا روايات في بيئات أخرى، لن نجردهم من هواياتهم، لمجرد أنهم كتبوا خارج بيئاتهم، وبالعودة إلى سؤالك، فالرواية المحلية مقروءة ومطلوبة بشدة خارج الحدود، ويكفي أنها حصدت عدة جوائز، ولو كانت لأسباب غير أدبية بحتة، لكن الرواية تقوم بدور مهم في الكشف عن طاقات وتنوع ثقافة هذا المجتمع، وتجد عناية ويكتب عنها دراسات أدبية، وتكون مادة لدرجات علمية عليا في الجامعات، ولكننا في الوقت نفسه بحاجة إلى فرز هذا الركام الهائل من الكتابات، فالرواية فن مدني رفيع وشمولي، يعكس تحولات المجتمعات ونموها.

،، ما رأيك في التقسيم الذي طال الرواية (نسائية رجالية شبابية) في رأيك ذلك تقسيم منطقي مبني على وعي ثقافي؟

- الكتابة لا تقبل التجنيس، المهم تكون كتابة إنسانية راقية، فالهم الإنساني لا يتجزأ والثنائية موجودة في الحياة، وشخوص الرواية وعالمها ومكانها وزمانها، ولا تقوم الرواية على جنس بشري أو تختصر شريحة بعينها، ولكنها تتناول كل شرائح المجتمع وتدخل كل الشرائح المتنوعة في نسيج الكتابة الروائية، فلماذا هذا التصنيف الذي نحن مولعون به في كل مناحي حياتنا؟

- هناك نقاد اخترعوا مصطلح الرواية النسوية، وأزعم أنهم ذهبوا في هذا الاتجاه لأسباب غير أدبية، فالأدب إنساني ولكنهم خصصوا المرأة، بزعم أنهم يعضدونها وهم بهذا التخصيص، لا يختلفون عن الذين يخلقون حولها القيود، ويعاملونها ككائن يجب الوصاية عليه، والمرأة نالت نصيبها من التعليم وبلغت أعلى المناصب العلمية، ويجب الكف عن هذا التصنيف الأبله. الكتابة للطفل شيء آخر، ولا بد للمتخصصين أن يكون لهم الريادة، فطفل اليوم حتماً سيكون رجل وامرأة الغد.

،، من خلال ما قدمت من أعمال قصصية وروائية وكتابة مقال، طرحت ما كنت تفكر فيه أم أن هناك مواضيع ما زالت بحاجة إلى الطرح والتكرار؟

- الحياة متجددة، وإذا رغبت أن تكون حياً، فلا بد أن تسلك دروباً جديدة، الكتابة عندي متعة وعلاج واجتراح لحالات معينة، وتزعجني المياه الراكدة والطرق الكتابية المعبدة، الكتابة حالة من الكشف الشفاف، ولذلك لا بد من الجديد كجريان النهر، وتفتح الزهور ونضوج الثمر والفجر الجديد.

لن أجيبك

،، في رأيك لماذا نقسو على الثقافة العربية، ونمتدح الثقافات الأخرى، ونبحث عن الوصول إليها، وهل هم يبحثون عن الوصول إلينا؟

- سؤال عميق وجميل.. لكن هل تعتقدين أني سأجيبك؟، وإذا أجبت فلن أوفي السؤال حقه، ثقافتنا يا سيدتي راكدة وثقافة حفظ، يجتر الماضي ويتمثله، ويحاصر المستقبل ولا يسمح بالانفتاح على الآخر، نحن نحفظ ونردد ما حفظه وقاله الذين مضوا قبلنا، فماذا أنتجت ثقافتنا لنكون في مصاف الأمم الحية والمتقدمة، قد يكون لنا ماضٍ تليد وتاريخ عتيد، والغرب استفاد من ثقافتنا وبنى مراكز ثقافية لدراستها وتجاوزها، وما كان جدير بنا أن نقف لنبكي على الأطلال، كان يجب أن نأخذ من ثقافتنا خير ما فيها ونتجاوز سيئاتها، ولكننا للأسف نبحث عن كل القيود ونضيق المتاح، ولو كنا ننظر إلى المستقبل لكنا جزءاً من حركة هذا العالم، نتقاسم معه مخترعات العصر والإبداع والفنون وكل جديد، يحفل به العقل البشري بدلاً من أن نكون عالة عليه.

،، ما الذي أضافته إليك كتابة المقال، وماذا أضفت من خلالها لمشهد الثقافي؟

- بصراحة كنت أكتب المقال، لأعلن عن حضوري وبأني ما أزال حياً ولم يمت هاجسي، وأكتب المقال بالذات لأنتظر المردود المادي، فقد يسهم في سد حاجتي، وأنا مقل وإذا كتبت فلا أكتب إلا ما يروق لي ويرضي قناعتي الأدبية، ضيعت كثيراً من مقالاتي كما ضيعت قبلها نصوصاً قصصية، ولكني بتحريض من بعض الأصدقاء، عمدت مؤخراً إلى انتقاء نخبة من تلك المقالات وقدمتها لناشر لطباعتها.

،، الكتابة اليومية أو الأسبوعية، تعلم الكاتب الانضباط أو تحجبهُ عن الإبداع، فيصبح طائراً في قفص؟

- الكاتب يحتاج إلى دربة متواصلة، ولكنه قبل ذلك يحتاج إلى قراءة مكثفة دائماً، وحرص على متابعة الجديد في عالم المعرفة، الكتابة الإبداعية مشرعة باستمرار، وهي نوع من الارتباط اللذيذ، ولكن أحسب أن الارتباط بكتابة للصحف أسبوعية أو يومية، هي نوع من الاحتراق والقيود التي لا أحبها، الصحافة عن تجربة محرقة للأديب وتأكل لغته وتفرغها من حمولتها، ولكنها شر لا بد منه.

،، (غيوم امرأة استثنائية - مدن الدخان - وحي الآخرة... إلخ) في رأيك هل تقرأ الرواية من العنوان؟

- ليس بالضرورة كما يقال الكتاب يقرأ من عنوانه، والعناوين أعلاه نماذج من رواياتي، ربما تكون رمزية وربما تكون موازية للواقع، لكنها على أي حال تحمل اسم فعل كتابي!

العيب فينا

،، ما الذي يهم دور النشر العربية اسم الكاتب أو مضمون العمل، وهل ما زال هناك ثقافة أو سلعة، تقام عليها عملية المقايضة بين الكاتب ودور النشر؟

- سؤال مفخخ.. دور النشر تجارية، ويقال إن الكاتب الخليجي والروائي بالذات هدف لها، وزاد من هذا الوله بالكاتب المحلي مبيعات معرض الرياض للكتاب، فمبيعاته بكل الأجناس الأدبية والفكرية، توازي مبيعات كل المعارض العربية مجتمعة، والسبب حتماً القوة الشرائية، وهذا جزء من ثقافة المجتمع الاستهلاكية، إذن العيب فينا وليس العيب في ناسٍ سوانا، كاتب وقارئ وحراك ثقافي مجتمعي، اطمئني – لم أخضع لعملية مقايضة في كل أعمالي، رواياتي الأولى (ثلاثية المكتوب مرة أخرى – ومدن الدخان) خرجت من دار الكنوز الأدبية في بيروت، والدار كان يديرها الناشط والمثقف البحريني الأستاذ عبد الرحمن النعيمي، وطبع لكتاب سعوديين لوجه الثقافة ومعروف من هو أبو أمل رحمه الله، وخرجت (وحي الآخرة – ومنابت العشق) عن دار الانتشار العربي، والدار تطبع نتاج كثير من الأندية الأدبية ومنها أعمالي، وخرجت (غيوم امرأة استثنائية) عن دار جداول وهي الرواية الوحيدة المجازة، والفضل يعود للأستاذ محمد السيف الذي يدير الدار. وكل هذه الأعمال لم أدفع قرشاً لطباعتها، لكني لا أزعم أني حصلت على حقوقي كاملة من التوزيع، ولو قدمت هذه الروايات للسينما أيضاً. وبعد هذا الكشف الموغل للسؤال، فالإشكالية تبقى أكبر من أن يحيط بها جواب مستعجل، ولن أنصب نفسي متحدثاً عن تجربة غيري.

،، تحيرنا القراءة وعملية الشراء ولمن نقرأ تجاوزت تلك المرحلة أم ما زالت تصاحبك عندما تقصد معارض الكتب؟

- تجاوزتها.. وصرت قارئاً نخبوياً، مكتبتي عامرة لم استطع أحيط بكل ما فيها.

،، بعد مشاركتك في عديد من الأمسيات الثقافية في رأيك ما المفروض أن ينظر إليه إلى نوع الجمهور أو عدد الجمهور وما سبب عزوف الشباب؟

- القصة لها خصوصيتها.. ويستحسن أن يكون النص بين يدي المتلقي لحظة قراءة المبدع للنص، لتداخل الأمكنة والأزمنة والشخوص المركبة ولضرورة التأمل، القصة ليست خطابية وليست منبرية ولكنها تدرس، وهذا ما وصلنا إليه جماعة السرد بالرياض قبل أن ينفرط عقدها، ومستحيل أن تقرأ للجمهور أو المتلقي رواية، ويكتفي بتقديم شهادة عن التجربة، وقد لا تكون دقيقة وقد لا يكون المتلقي مستوعباً لكل التفاصيل بدون قراءة الرواية.

،، كانت الثقافة في وقتكم مقتصرة على القراءة، أم أن هناك ثقافات أخرى، وكيف ترى التغذية الثقافية في وقتنا الحالي؟

- الكتاب.. والكتاب النادر يكاد يكون المصدر الوحيد للمعرفة، وربما كان الفضاء المجتمعي أكثر رحابة من الآن، بالنظر إلى وجود عروض سينمائية بالأندية الرياضية، وحفلات غنائية متنوعة لا يسمح بها الآن، الفضاء الذي يحرم حتى الفلكلور الشعبي، وحتماً لا يمكن مقارنة مرحلة بأخرى فالجيل الراهن، محظوظ بوجود وسائل التقنية الحديثة وتعدد نوافذ المعرفة، لمواجهة تيار يزعم الصحوة، ويسعى إلى فرض أحادية الرؤية والفكر، ويلغي التنوع الذي يشكل ثراء لكل مجتمع.
--------------------------
المصدر: مجلة اليمامة