بحث في الموقع

سرحت في واحدة من أمسيات الثقافة الحقيقية في بلادنا.. وتذكرت حكايات ومواقف.
قال ذات مرة الرائد الاستاذ (عبدالكريم الجهيمان) مد الله بحياته، وكان يستطرد في مجلس أدبي في دمشق لحضور فعاليات معرض الكتاب، و(تحديداً) وإلا فما أكثر ما يروى عن (أبوسهيل)، أنه وجد القامة الثقافية الأخرى، الراحل (عبدالله القصيمي) ولك ان تتصور في ذلك الزمن حوار ورؤية صاحبي كتابي (أساطير شعبية) من قلب الجزيرة العربية الذي نعرف تأثيره كما نعرف تأثير الجهيمان في الحركة الثقافية، وما دفعه من حرية ثمن لتعليم الفتاة، والراحل القصيمي وكتابه المثير في زمنه (هذه هي الأغلال) الذي أحدث دويا هائلاً بسبب الفتوى المعروفة لتكون قيداً على حريته بغض النظر عن تنفيذها والخوض في تفصيلاتها.
وقال الشاعر أحمد عبدالمعطي على كرسي في قهوة (ريش) بالقاهرة، وكان يرفع رجلا ويتكئ بها على الأخرى: (مثقف وتقول أنت سعودي..)؟
فخبأت له على الطريقة العربية حقداً في صدري، وبريق الضوء يخطف العيون ونحن في بداية عقد السبعينات، والرجل (مناضل) هرب في زمن السادات إلى باريس وعاد للتو..
ماذا عساي كنت أقول..؟
ننتظر أمسية شعرية من أمسيات الجنادرية العتيدة، لمعت من جديد في عيني (صلعة) الشاعر المبجل، وثأرت في دمي جاهلية الثأر الخامدة، وكنت برفقة أغرب مثقفين يضمهما مجلس وأصبح لهما ثالثاً..
كان جار الله الحميد، يطرح شروطاً يجب ان تتوفر في من يريد ان يرشح نفسه ليكون رئيساً لناد أدبي.
ويسرح ساهماً الاستاذ عابد خزندار مفكراً بعجز في شروط جار الله الكيدية: (أن يبلغ الستين سنة من العمر، وليس له نشاط في أي جنس أدبي، له ذقن مدينة وعاهة مستديمة، و..و)، فقطعت غيض جار الله وفيض جنونه وتهكمه، وفجعت جنون (عابد) رفيق درب الجهيمان، ورفيق الشاعر المبجل في باريس بصيحة ثأر قبلية..
ونحن (الثلاثة) في جو انتخابي، رضيت بالتأجيل إلى ما بعد الأمسية، فحسمت الصالة وصوت الشعر الحقيقي (أنف ريغان) وقتها، وبراءة الشاعر وجنونه رغم أنوف الخائفين..
والبارحة شعرت ان ثقافة هذا البلد في أصوات مثقفيه الحقيقية والصادقة مهما عانت وواجهت في سبيل رسالتها تجاه الوطن بكامله لن تغيب عن ذاكرة الوطن.
انتبهت مع فارق الزمن وقد سكنت ذاكرتي أصوات المعلقين: (أ.زياد الدريس، د.محمد بن زلفه، د.معجب الزهراني، أ.محمد الأسمري)، وكذلك أصوات أولئك المترددين والخائفين والمحبطين وحتى الغوغائيين لأن الزمن وحده سيعلمنا فن الحوار، حينما يكون الوطن حقيقياً وقضاياه حقيقية دون ان يزعم أحداً من كان أنه وحده يمتلك الحقيقية..
فشكراً عظيماً للمحاضر (د.عبدالرحمن هيجان) الذي طوح بنى في آفاق معرفته الجمة ومحاضرته الواعية وبحثه القيم (المجتمع المدني.. وإمكانية تطبيقه) وما لبلادنا من خصوصية بيئة ثقافية، تتمازج مع صورة صراع الدين والسلطة التي ظهرت على حساب الكنيسة في المجتمع الأوروبي، وحاجة الظرف إلى مجتمع مدني، ومرحى للقائمين على النشاط الثقافي في مكتبة الملك عبدالعزيز (نموذج) صناعة ثقافة ووعي الوطن ممثلة في مقدم الأمسية ومديرها د.عبدالكريم الزيد، أ.فيصل المعمر، وماحوار تلك الليلة إلا صورة مضيئة لما يجب أن يكون عليه الحوار.