الرياض: فتح الرحمن يوسف
تشهد الرياض، كما غيرها من المدن السعودية، حراكا ثقافيا أهليا يتمثل في عشرات الصالونات الثقافية والجماعات الفنية والتشكيلية وفرق الفنون الشعبية، تضاف إليها الجماعات الشبابية التي تجد في وسائل التواصل الاجتماعي والفضاء الإلكتروني والمقاهي الحديثة مكانا لتناول وجبات ثقافية وفكرية، وعلى الرغم من أن نادي الرياض هو القناة الرئيسية لمسارب الفعل الثقافي المتنوعة، فإنه ظل نخبويا وغريبا عن محيط يستعر حراكا ثقافيا.

ففي العاصمة، التي تضم أكثر من خمسة ملايين نسمة، كانت حصيلة النادي الأدبي من الأعضاء المسجلين في الجمعية العمومية أقل من 200 عضو، (أول انتخابات لمجلس إدارة النادي شارك فيها 114 عضوا من أصل 174 عضوا).
ماذا يقول المثقفون في الرياض عن هذه الظاهرة؟

الوشمي: النادي صيغة ثقافية ليست نهائية

يقول الكاتب والشاعر الدكتور عبد الله الوشمي، رئيس النادي الأدبي بالرياض، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن النادي صيغة ثقافية، غير أنها ليست نهائية، وإنما هي أقرب إلى النموذج المتاح، وليس النهائي، ومع ذلك ما زال النادي يشهد زيادة مطردة في إقبال المثقفين والمبدعين عليه، على اختلاف مشاربهم واهتماماتهم للحضور والمشاركة في فعالياته الثقافية المختلفة، بسبب تنوعها وارتفاع مستوى مضامينها، بل إن عددا من الأندية أخذت تؤسس مقاهي ثقافية، باعتبارها سندا ثقافيا إضافيا».
ويشير الوشمي إلى أن الصالونات الثقافية المنزلية، والحوارات المفتوحة والجمعيات الثقافية، تعتبر صيغة ثقافية مقبولة أيضا، إلا أنها لن تكون خصما للأندية الأدبية، لافتا إلى أن السعودية كلها، بما فيها الرياض، مقبلة على تأسيس مراكز ثقافية كبرى. وبرأيه، فإن مثل هذه المراكز ستنعكس إيجابا على المثقفين والمبدعين السعوديين.
ويضيف: «نادي الرياض الأدبي هو نادي العاصمة، وبالتالي فإن الآمال به وعليه كبيرة جدا، ومهما ذكرت عن بعض إنجازاته، فإنها حتما ستكون أقل من الطموح وأقل من الواجب، ومع ذلك فقد ساهم مجلس الإدارة بإحداث عدد من الأنشطة المتميزة، ومنها بيت الشعر، ومنبر الحوار، وسلسلة الإصدار الأول، ومشروع النشر المشترك. أنا شخصيا أجد أن الأندية الأدبية صنعت حراكا ثقافيا واضحا في مشهدنا، وهذا لا ينفي وجود عدد من الملاحظات اليسيرة أو الكبيرة على بعض الأنشطة أو بعض الأعضاء أو بعض المجالس، ولكن هذا لا يمنع أن نعد التأسيس الثاني للأندية الأدبية هو التغيير الذي طرأ على مجالس إداراتها، وقد أحدث هذا الأمر حراكا ضخما حتى أصبحت بعض الأخبار الثقافية تنشر في الصفحة الأولى، بعد أن اعتاد رؤساء التحرير حذف صفحة ثقافة بين فترة وأخرى، وأصبح عامة الناس يتابعون ما يجري في الأندية، ورأينا بعض الفعاليات تزدحم بالحضور الجماهيري الكثيف».

* الدويحي: المثقفون تجاوزوا النادي

* معلقا على الموضوع نفسه، يقول الروائي السعودي أحمد الدويحي لـ«الشرق الأوسط»: «إن المثقفين في العاصمة السعودية الرياض، كغيرهم من مثقفي العالم من حولهم، تأثروا بشكل كبير بالتغييرات، التي انتظمت الساحة الثقافية في العالم الذي أصبح ليس فقط قرية صغيرة، وإنما أقل من غرفة صغيرة، الأمر الذي حتم ضرورة تغيير طريقة التعاطي مع الثقافة والمؤسسات الثقافية الرسمية، سواء كان نادي الرياض الأدبي أو غيره من المؤسسات الشبيهة».
ويرى الدويحي أن نادي الرياض الأدبي لم يعد، كغيره من المؤسسات الثقافية الرسمية، هو المكان الوحيد والمناسب، الذي يؤمه مثقفو الرياض ومبدعوها، مبينا أن هذا الواقع ينطبق على المؤسسات الضخمة في مركز الإشعاع الثقافي في البلاد المتقدمة والمتأخرة، عازيا السبب للتسارع التقني الذي وصفه بالمذهل وصاحب اليد الطولى في صنع هذا الواقع الحياتي والثقافي.
إن الوسائط الإلكترونية (فيس بوك، وتويتر، وآي باد) وغيرها من الوسائط العصرية الحديثة، لا تعترف، كما يقول، بالثقافة ولا بالمثقفين التقليديين، وقد أصبحت هي المسؤول الأول عن صناعة اتجاه الرأي العام، بسبب سهولة نقل المعلومة وتداولها وسرعة وصولها للمتلقي، والتي تشاركها فيه القنوات الفضائية التي هي الأخرى أحد إفرازات التقنية نفسها. وهذه الوسائل التي تشهد كل يوم استحداثات جديدة، «جاءت لتؤكد وتعلن نهاية المثقف العربي في زمن الربيع العربي، مسقطة دوره وفعله وتأثيره بشكله التقليدي المعروف».
وبالعودة لمثقفي الرياض ومؤسستهم الرسمية النادي الأدبي، يعتقد الدويحي أن الواقع فرض ظروفا تلقي بالمسؤولية الجسيمة في تحول طبيعة ونقل الرسالة الثقافية في الرياض، كما في غيرها من بقاع الدنيا، مبينا أن أولى هذه المسؤوليات هي إيصال هذه الرسالة للأجيال القادمة. إذا لم تستطع النخب الثقافية والإبداعية والمؤسسات الثقافية الرسمية القيام بهذه المهمة، فستصبح خارج سياق الزمن.

* الخضري: تحرر من الالتزام الثقافي

* أما الروائي خالد خضري، فيرى أن خيارات المثقفين في الرياض تعددت كما تعددت مواقع اهتماماتهم، مبينا أن النادي الأدبي لم يعد هو المكان الوحيد الذي يلبي رغبات مثقفي الرياض، فهناك مقاه تقوم مقام المؤسسات الثقافية، وإن كان بشكل عفوي، لأنها أصبحت تشكل فضاء عموميا يرتاده الناس بالدرجة الأولى للجلوس والتفكر حول بعض المنتجات والظواهر الثقافية والإبداعية ومناقشة ما لديهم، مع احتساء المشروبات الساخنة والباردة.
ويدعو خضري إلى نشر المقاهي الثقافية لتكون امتدادا للمؤسسة الثقافية الرسمية، كونها تشكل حلقة مفتوحة بين الكتاب والمبدعين وجمهور النخبة الثقافية، كما أنها تمثل نافذة حديثة، تجذب المهتم بالشأن الثقافي نحو ارتيادها أو المشاركة فيها، كبديل حر، بعيدا عن بروتوكولات الفعاليات الثقافية، التي تتخذ الأسلوب الرسمي في تنظيمها والتعاطي معها، بجانب أن كثيرين على مستوى طبقاتهم، وعلى اختلاف مشاربهم الثقافية والفكرية والإبداعية، يرتادون هذه المقاهي.
وعلى الرغم من زحمة متطلبات الحياة وكثرة الالتزامات، فإن خضري يعتقد أن الواقع العصري سهل على المثقفين طريقة التلاقي والنقاش حول أي قضية ثقافية، دون الحاجة إلى الانتظام في فعالية ثقافية رسمية، فهذا الواقع الجديد أفرز حالة من حالات تعميم المعرفة، ودمقرطة العلاقات الثقافية، وتقريب أصحاب الإنتاج الثقافي والفني بعضهم من بعض.
غير أن خضري يستدرك بقوله: «إن الخيارات التي وفرتها العاصمة الرياض لمثقفيها، من شأنها أن تلعب دورا مكملا لمسيرة النادي الأدبي والصالونات الثقافية، بالإضافة إلى أنها تعمل على إذابة الجفاء بين بعض المثقفين، وتسمح بالحوار بين الأطراف المختلفة في بعض القضايا، وتتيح لجمهور الثقافة الاحتكاك المباشر بالمثقفين على مختلف مشاربهم السياسية والآيديولوجية».

* أكرم: مثقف الرياض يتمرد خلف الخيارات

* أما الشاعر فيصل أكرم، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن وسائل التواصل الحديثة على الرغم من أنها لا تلغي دور وأهمية النادي الأدبي، فإنها في نفس الوقت صعبت وحجمت لحد ما مهمته كأي مؤسسة ثقافية رسمية أخرى، واحتلت مساحة من دوره في صناعة وتعاطي الثقافة والإبداع، الأمر الذي جعل الكثيرين من المثقفين في الرياض، يحاول الاستمتاع بهذه الخيارات التي أتاحتها التقنية.
وفي المقابل، يعتقد أكرم أن هذه التقنية نفسها أثرت بشكل واضح في علاقة المثقف الرائد مع المثقف الناشئ، وساهمت إلى حد ما في خلق جفوة تتقاصر وتتزايد سلبا وإجابا، حسب ما يتوافق مع أمزجة المتلقي المثقف الشاب، في ظل توافر وسائل التقنية الحديثة، كما أن هذه التقنية وفرت قنوات مختلفة لتسويق ونشر الإبداع والثقافة، على مختلف مستويات اللغة الأدبية والفكرية والفلسفية الأعلى ووسائطها وتوقيتاتها.
ويعتقد أكرم في الوقت نفسه أن الرياض بشكلها الحالي، ستفتح فضاءات ثقافية أخرى، تلتقي فيها مجموعة من مثقفي العاصمة، في لقاءات مسائية قد تطول حتى ساعة متأخرة من الليل يستمتعون بشرب وأكل ما يرغبون، مثلها مثل المجالس الثقافية في فرنسا، وغيرها من المجالس الأوروبية التي كانت قبلة لكبار المفكرين والفلاسفة والنقاد، لتتيح فرصة التقاء شباب المثقفين بكبارهم للإفادة من خبراتهم.