حفلة رائعة في ليلة جملية أنقلها لكم :
هكذا تحدث أبن حنتوش ...
انتبه على رقص جنوبي ، والمغني يغني ، اصعد إلى خشبة المسرح ، أشارك المحتفلين في الغناء ، أخبروني أن لي صوتا عذبا جميلا ، أمتليء زهوا ، وحق لي أن أستأثر بوقت أطول ، ومقاطع غنائية جديدة ، أرددها وحدي ..


الصالة امتلأت بالناس ، جاءوا من كل لون وجنس ، الأرجل تتدلى من الشرفات ، الأحذية الشعبية تسمع طرقاتها في الممرات ، أقف في نهاية وصلتي الغنائية مبهورا بحالتي ، أشعر أن من حقي أن أستمر ..
رائحة غذاء تعد تحت خشبة المسرح ..
الجمهور منفعل والكلمات تخرج بلا أعداد .. الحفلة رائعة ، وأشياء أخرى ، تحدث ليس لها صلة بالمكان ، ووجوه تائهة ليس لها صلة بالحفلة ..
لاجئون يحضرون من كل الأعمار والأجناس ، وأخي في ثياب رثة يبحث عني ، وقد سمع صوتي ، أو شوش في (المكروفون) ، وأجزم أن ليس بين صوتي وكلماتي صلة ..
ـ ماذا قلت يا ربي ..!!
هل صارت الكلمات تخرج الحفلة ، ويتفقد عروق شجرة العنب ، والأرض لنا ..أدله وأنا أعرف ، اتجاه عرق كل شجرة عنب أين يمتد ، أخبره أن هذا كان لي وله في طفولتنا ، تضاربنا مرة وشكوته لجدتي ، أظنه الآن سعيدا ومبتهجا ، يجدني في أرضنا ( عريف ) حفلة ، أريه ( النصب ) التي وضعها أجدادنا ، ما زالت ثابتة ...
بنت لاجئة مجنونة ، تمازحني بطريقة فجة ، أصاب بالخجل ، وحين ما تمالكت نفسي ، شعرت بالزهو وقمعتها كـ(عريف) للحفلة ..مبارك يدخل الغرفة ويثني ركبته ليجلس معتذرا ، من غير أن يمد يده لأي واحد منا ، ودخان سيجارته يتبعه ، كخيط فضي ..إبراهيم الأسود ، يدخل شريط (كاسيت) لمغني آخر ، صوته جميل..
انتبه إلى هذا ..أسرع إلى (المعلم) ، أحاول أن أستعيد (الميكرفون) . لكنه يخبرني ، أنه بيد من يثبت دوره ، ولا يسقط ...أدفعه أمامي بعنف ، وقد تسلحت ببعض الكلمات الحارقة .ابن حنتوش يسرق (الميكرفون) ، ليكمل نقل تفاصيل الحفلة ..

( ن )

يحلم سليمان بحياة عذبة ، يغرد فيها ، يداعب بهدوء نايه الذي لا يفارقه أبدا ، يأتي حينما نكون على هوى الأصدقاء ، لا يجفو أحد ، موجع حد النزف ، يتوحد مع الناي فنصمت ، وحينما نبعث ، وتزداد فوضانا يصمتان ..
مجمل القول ، أن فوضانا يتسع لها قلب نايه العجيب ، فوضانا حركة ولعب وثرثرة ..
حينها ينقلب هدوؤه . لكنه ينسحب ، ونسمع منه عبارة وحيدة ، صارخا فينا بعنف :
ـ أف .. يا الله ... (!!)
يصبح عصبيا ، نعرفه إذا قال (أف!!) مرة أخرى ، روحه تتشكل إلى حالة أخرى ، بالنوم في أي مكان يطفئها ، وإذا نام هو حالة أخرى عجيبة ، تنتفض رجلاه ، ونسمع كلمات متقاطعة ، من فم مفتوح ، لا تتشكل منها جملة مفيدة ، كما هي في صحو ..
يلتف الأطفال حوله ، كأنهم يزفون عريسا إلى دنياه الجديدة ، يغنون ويصفقون ، وينتشي ببرائتهم ، أحاول زجرهم ، أرى الفرح في عينيه ، إنه في حالة أخرى.الأطفال يتمادون في العبث واللعب ، صبية تمد يدها إلى الناي وتخطفه ، يحاول الإمساك بها ليسترد الناي ، تقذف بالناي إلى صبي آخر .. تنبعث في وجهه روح اليأس والعجز ، إنه حالة أخرى جديدة ..ينطلق مسرعا إلى الشارع ، قلت : سيعود ، واعتراني الخوف ، أخرج إلى المقهى ، أسأل الأصدقاء :
ـ أين سليمان ..؟
أخبرهم عن حالته الجديدة ، يخبرني الأصدقاء بما فعلته به الصبية ، ويخبرهم صاحب المقهى ، أنه رآه في حالة أخرى ، رآه لا زال مسرعا ، كأنه يود شق فضاء المدينة وهدوءها ، يلبس نظارة سوداء ، ويغني بأعلى صوته ، واكتشفوا أن صوته جميل ، ولم نكن نسمع سليمان يغني ..
وعلى كوؤس الشاي ، ظللنا ننتظر مجيء سليمان ، ويحدثنا تركي ، ويحاول أن ينقي أباه من الخطايا والاستيلاء على أراضي الناس ، بالقوة والخداع ، وإنه وقع أخيرا وثيقة صلح ...ويحدثنا أن أخاه الدكتور ، هو صاحب مشروع وثيقة الصلح ، أما صاحب المقهى فأخبرنا قائلا :
سليمان لن يأتي إلى الأبد ..
ابتزنا هدوء سليمان ، كأنه يولد فينا للتو حالة إجلال ، وغشانا حزن سرمدي