بحث في الموقع

الرياض- عبد الحي يوسف
يعتقد الروائي السعودي احمد الدويحي ان الرواية في المملكة بدأت في المدينتين المقدستين مكة والمدينة المنورة، ثم بعدها انتقلت لباقي ارجاء المملكة، وهو يرجع ذلك الى طبيعة الرواية التي لا يمكن ان تنشأ الا في بيئة مدينة، بما فيها من تعدد وتطور يتجاوز ما هو موجود في القرى.


ويقول الدويحي صاحب الثلاثية السردية الشهيرة «المكتوب مرة اخرى» في حوار معه، ان تطور الرواية وصل مداه بعد 11 سبتمبر، وان التغيرات المجتمعية كان لها دور كبير في الانتاج السردي الكثيف الذي ميز السنوات الماضية، مؤكدا ان الحرية مطلب اساسي للرواية وانها لا تنتعش من دونها.

● ذكرت في منتدى ادبي قبل ايام ان الرواية السعودية لم تكتب إلا بعد 9/11 ماذا كنت تقصد بذلك تحديدا؟

- الرواية المحلية كتبت بداية في المدن المقدسة مكة المكرمة والمدينة المنورة، لأن الرواية فن مدنيّ يولد وينمو في الحياة المدنية، وكتبها بعض الرواد ومن ضمنهم الأستاذ حامد دمنهوري، وأستطيع أن أذكر رائد الرواية الحديثة الأستاذ إبراهيم الناصر الحميدان، والراحل عبدالعزيز مشري والدكتور غازي القصيبي، وكتبت الرواية أيضاً قبل الحادي عشر من سبتمبر مع بعض كتابها من جيلي، ولكن الانفجار الكتابي الروائي بعد الحادي عشر من سبتمبر كان شيئا ملحوظا، فبعد ما كنا نحلم بروايتين أو ثلاث في الموسم لنحتفي بها، إذا بنا نتجاوز المائة رواية في الموسم الواحد، وتكتب من بيئات متنوعة وكتابة أيضاً متنوعة من الجنسين.

استعجال الشهرة
● كتابة الرواية في سن مبكرة (مثل ما يحدث الآن مع الكثير من الروائيين السعوديين) هل هو استعجال للشهرة ام موهبة مبكرة؟

- أنا مع الكتابة الروائية بعد سن الأربعين، وشهدنا أن روائيين كبارا على مستوى العالم وعربا، كتبوا الرواية بعد سن الأربعين وأنا بدأت بعد هذه السن، وقد بدأت بكتابة القصة القصيرة مع جيلي، وكنت أعلم أني يوماً سأكتب الرواية، وأنا أيضاً مع التجريب لكن الرواية فن رفيع ومغامرة شاسعة، تحتاج إلى خبرات حياتية ومعرفية وليست لعبة، وصحيح أن البحث عن الشهرة ودخول التقنية الحديثة العالم الكتابي، ووجود دور نشر أجنبية تبحث عن الربح المالي بغض النظر عن القيمة الفنية والأدبية الرفيعة، أغرى جيلا من الشباب وسهل لهم دخول هذا العالم الكتابي عبر الثلاثي الشهير «التابو» الجنس والدين والسياسة، ولست ضد هذا، فنحن نحتاج لكل الأنواع الكتابية، كما نحتاج إلى فرز الغث من السمين، ويلاحظ أن الظاهرة بدأت تنحسر في السنوات الأخيرة، وبدأ يقل حجم الإصدار الكثيف عبر معرض الكتاب عن ذي قبل.

قرية حالمة
● مناخ جبال السروات كيف كان اثره عليك روائيا وقصصيا؟

- ولدت في قرية نائية وحالمة «العسلة» في الجنوب الغربي، تقع على رؤوس جبال السروات في بداية النصف الثاني من القرن الميلادي الماضي.
غادرت القرية مبكراً إلى الشرق، إلى الرياض مع أخوالي، وبقيت القرية حلماً مقدساً يراود مخيلتي، وبالتأكيد حضرت في نصوصي الأولى وبالذات في المجموعتين القصصيتين «البديل»، و«قالت فجرها»، وجاءت لتحملها لغة رشيقة مكثفة تقترب من الشعر بدلالة الصفاء والبراءة. وتحضر في بعض النسيج الروائي.
صحيح أنني أستحضر القرية في بعض المشاهد، ولكنه استحضار فانتازي وسريالي لا واقعي، فالقرية التي أعرفها اعترتها عجلة التحولات والتشويه والتغير، وبقي لي حلم صغير مدخر اكتشفته في هذا الصيف، ولم يبق لي من القرية غير طقسها وتضاريسها وأساطيرها، بأن أكتب رواية أختم بها حياتي تتماس مع الكتاب الشهير «عودة الشيخ إلى صباه» والقصد بإحياء موازٍ للزمان والمكان.

● هل ترى إلى اعمالك على انها روايات مستقل بعضها عن بعض، ام تراها باعتبار كل واحدة منها تكمل الأخرى؟

- بطبيعة الحال كل عمل روائي مستقل، فالرواية الأولى «ريحانة» لها لغتها وعالمها وطقوسها وشخوصها ونضجها أيضاً، وهي الرواية التي يتشكل في فضائها كل شيء من القرية الجنوبية، ويمكن فرض السياق ذاته كنموذج على الأعمال الروائية الأخرى، فرواية «وحي الآخرة» على سبيل المثال رواية ميتافيزيقية ولعل اسمها يحمل الدلالة، أنا كاتب يجترح المغامرة ويعشق التجريب إلى أبعد حدود، ولا أحب أن أمضي في الدروب المستطرقة واتسربل بعباءات الآخرين، وربما يكون هنا كخيط رفيع غير مرئي يوحد هذه الأعمال، إذا أخذنا في الاعتبار أن السيرة الذاتية هي واحدة من ينابيع الفعل الكتابي.

ثلاثية المكتوب
● ثلاثيتك «المكتوب مرة أخرى» هل يصح النظر اليها باعتبارها وثيقة اجتماعية تاريخية، وذلك بالنظر لمضمونها والفترة التي تدور فيها احداثها؟

- كل كاتب لا بد أن يكون له أعمال إذا ذكر يشار بها إليه، ورواية «المكتوب مرة أخرى» يبدو أنها ذلك العمل الذي أذكر به، هذه الثلاثية هي فعل كتابي مهم في نظري على أكثر من صعيد عام وذاتي، فالرواية في جانب منها هي الرواية الثالثة في سلسلة أعمالي الكتابية، وقد سبق قبلها وكتبت روايتي «ريحانة» و«أواني الورد» في عالم من التجريب اللغوي والفنتازي.
ولما شرعت في كتابة هذا النص كنت محتشداً بركام من التجارب والمعارف والطموحات والخيارات أيضاً، فجاءت على صعيد ذاتي، وأحمد الله أن هناك من تلقاها على أنها رواية الرواية، وبالذات نقدياً وأخص بالذات الناقدة الدكتورة أسماء الزهراني.
ولكن الفعل الكتابي ذاته كان قد اتخذ عدة مسارات ترتبط بعدة سياقات، فالرواية التي كتبت في مرحلة مهمة من تاريخ منطقة الخليج العربي، وشهدت حروبا متعاقبة في الكويت ثم العراق مع تحولات تنموية، كانت تعني كما فعلت كثير من الروايات التي صدرت في تلك المرحلة، برصد كل هذه التحولات حتى لو تنوع الرصد واتخذ زوايا حكي متعددة، وساعدني لا شك زخم الأحداث الجارية وطزاجتها مع الاحتشاد والتراكم الذاتي، لكتابة متنوعة تتجاوز واقعها المجتمعي، وأشكرك على هذا السؤال الواعي، فالرواية تستحق أن تكون وثيقة تاريخية، تعكس عالما موازيا لها لما حدث في الواقع وتتماس معه.

مفارقات
● مفارقات وضع المرأة في المجتمع السعودي هل ما تزال تمثل للروائيين منجما للسرد الباحث عن الشهرة؟

- المرأة خير من يعبر عن ذاتها ويتناول قضاياها. ولكن للأسف هناك شريحة في المجتمع السعودي اتخذت من المرأة وقضاياها مطية، تمتطيها لتوجيه خطاب سلطوي تحتكر بموجبه حق الرؤية والفصل والتفصيل، المرأة في المجتمع السعودي نالت مكانة عالية من التعليم والخبرات المتراكمة، فالجامعات ومراكز البحوث والمستشفيات ومواقع العمل المتنوعة تشهد على كفاءتهن.
ولاحظنا في الفترة الأخيرة أنها دخلت مجلس الشورى في خطوة رائعة ومحسوبة. المرأة السعودية ستستعيد حقها في ممارسة الحياة بحرية وثقة، سحبت منها في العقود الأخيرة للأسباب ذاتها التي ذكرتها في البداية، وقد كانت في بعض مناطق المملكة تمارس حياتها بحرية، وأذكر في بداية حياتي عندما انتقلت من القرية في الجنوب إلى الرياض، أن أول ما لفت نظري هو وضع المرأة وخلوها من الحياة العامة، وحتماً فواقع المرأة السعودية يختلف من منطقة إلى أخرى، والعجيب أن المرأة البدوية وفي الأطراف من المملكة، أكثر حرية من المدينة وفي الوسط بالذات.
--------------------------
المصدر: صحيفة القبس