بحث في الموقع

أ‌) – تذكرتي

التقطنا " أخي التوأم " رديف إلى المطار ، كان يضحك في الطريق ، سألته : لماذا السفر ...؟!
ظل يضحك ، يتناسى أسئلتي المتكررة في صالة المطار ، جلست إلى جانب صديق لي
. وجدته هناك ، رديف ، وجهاد ، ومفرح، رفقاء الرحلة ، قعدوا وحدهم بٌرهةً ً ، ثم انضموا إلينا ظلنا نتبادل النّكات الفارغة والأسئلة والسجائر قدر ساعة زمن ، يتلبسني سر هذه الرحلة ، أجاهد لحل قناعة ، جاءتني رسالة وتشاغلت بأمرها وظل رديف يتبادل مع صديق ذكريات أمريكا ، يقول كل واحد منهما للآخر أيامه فيها ، نادى مذيع المطار على موعد الرحلة ، قمنا فطلبوا إبراز هوياتنا :_ اعتذرت ...
خلصني صديقي وصعدنا ، أنا وهو كآخر شخصين داخل اسطوانة الطائرة ، كنت أبحث عنهم، فالتف الركاب حولي ، ظللت أوزع عليهم سجائري ، يغيب رديف عن نظري ، أين هو ...؟ لماذا يورطنا في هذه الرحلة ..؟
عرفت أننا ذاهبون فقط ، لم أجد إجابة شافية لأسئلتي أين بقية أهلنا...  لماذا تركناهم وحدهم ... ؟
ظننت أننا سنقضي مهمة اليوم _ وسنعود _ قلت لنفسي المهمة قد تخص العائلة ، تخص عمل رديف ؟ . لكنني استبعدت ذلك في آخر لحظة ، جهاد يبتسم يضحك للآخرين ، بحثت عن مفرح ، وجدته بعد مشقة بجانب رديف يتضاحكان ، كنت قلقا متوتراً . قلت له :
-    ما الموضوع ؟
بلا مبالاة قال :
-    نضيع زعلاً
وزعت باقي سجائري ، غابا عني ، أحاول فهم سبب هذه الرحلة ، كان التعب يهّدني ، تهاويت على مقعدي ، ورأيت حسيناً، وصالحة والعسبلية ، وفتاتين ميزت ُ في قاع عينين جميلتين نافذتين تدعواني للرعب ، هممت فتعففت ، " دعوت الله توبة نصوحا ً"
جاء رديف ،ومفرح ، وجهاد معاً كان التعب يبدو على ملامحي ، بادرت استفزاز رديف ، ذكرته بظروف عائلتنا ، اوماً لي موضوعا مهما ً. ويجب ألا أكثر الأسئلة لئلا ينكش ، وقال جهاد :
-    إنهم يردون الفرن ،
-    أي فرن ؟
-    سألت : غمزني مفرح قائلا :
-    هذا موضوع البشرى ،
-    بعد بُرهة قال هامساً:
-    جهاد لاقط " قبيص" نحن نعرفه ونعرف لماذا جاء . هم يعرفون لماذا جاء كل واحد منهم ، ولا أعرف أنا لماذا جئت ..؟
أبحث عن شيء ازددت قلقاً ، صرخت متعللاً:
-    رديف أين تذكرتي ؟
تجاهلني ، تذكرت الرسالة ، لا زلت معلّقة في يدي ، تساءلت :
-    هؤلاء من أدراهم بوجودي تلك اللحظة في المطار .؟
فتحتها كانت المفاجأة أشد ، وجدتها مقالات دعائية ترويجية للكاتب "و" والكاتب "ط" والآخر"ن" ابتلعتُ دهشتي وسكت ُ رغم الأسئلة على مضض ،
***

ب‌)    – المسافة أبعد دفعتها ..


غادرت سيارة تاكسي ، جلتُ بعيني أبحث عن محمد ، كان طيلة مرافقتي له طيباً بريئاً صموتاً لا ينبىء مظهره عن خبث سريره ،وجدته في الجاني الآخر ينتظر شخصاً اسمه رؤوف ،ليسهل له مهمة ، شعرت اللحظة بمشاعر حب دفافة صادقة تربطني به ، هممت مساءلته ، " ما هي مهمتك ؟" ، فشلت في تحديد مهمته ، ألقى عليّ نصائح وتحذيرات ، فودعته .
التقطت كتبي وسجائري وأوراقي المتناثرة على الأرض ، ووضعتها في الحقيبة ، مضيت خطوتين على غير هدى ، فكرت أن أ\خل غرفتي ، غرفة خليفة تحت بناية شاهقة ، أسكنها كأنها قبري ، وصلت أمام رجل ملتحِِ يتحدث الانجليزية ـ طلبت منه مفتاح غرفة رقم (151) ناولني المفتاح ، تفحصنّي قال مستدركاً:
-    ماذا تحمل في هذه الحقيبة ؟
-    كتباً ومجلات وأوعية أخرى ،
قلتها كأنني أشير للآخرين لعلهم يسمعون ، قال :
-    دعني أراها ؟
- ليس لك في رؤيتها حق .
قد يكون بينها شيء من الممنوعات ؟
لا – ليس بنها ممنوعات ... ولماذا تحمل الأمور أكثر مما لا تحتمل...؟
-هذا عملي وهذا نظام .؟
وأنا أعرف ما أعمل .. ومن أجل هذا سأشكوك إلى "...." وسكت .
امتد صوتي من بين جمع ، حولي ، ظل الرجل الملتحي يقف خلف الحاجز الخشبي ، نقل الجميع أبصارهم بيني وبينه ، اقتنعت أن هوة تفصل بيني وبينه في كل شيء في كل شيء ....
سحبت المفتاح من فوق الحاجز الخشبي ، نويت الذهاب إلى غرفتي ، أشعر بالزهو ، أدهشتني قدرتي على الحديث معه ، بِلُغة لا أفهم منها إلا كلمتي " يس " و "نو" قال :
-هل توقع لي على هذه الورقة ؟
غمرتني روح المنتصر وعلى الفور أجبت :
-    لا ....
مضيت في سراديب طويل مظلم ، تصل نهايته غرفتي ، لقيت فهداً ، رؤيتي بعبد الله ، تذكرت أنني آخر مرة رأيته فيها كان شديد الغضب مني ، وهو في الحقيقة لا يغضب ، بقدر ما يسيء الفهم ، ويبني مواقفه ، عاداتي كل ما تعرضت للحظات كالتي كنت فيها قبل قليل ، استفزازاً و إهانة أمضي إليه ، وأصب شيئاً من غضبي عليه ، رأيته يتمايل في آخر السرداب ، يستعد للانصراف .
أطللت من نافذة جانبية محاذية ، نسيت محمداً ، وتجاهلت عبد لله وفهداً ، ورأيت حسيناً ، اندفعت كالريح من النافذة ، احمل حقيبتي فوق ظهري ، كانوا لفيفاً حول الطاولة يقعد ناصر خلفها ، وجدتني أغفو فوق صدر حسين ، شعرت بلحظات حنان يدفقها قلبه أقبض عليها بعمق وأرى بوضوح صوراً احتضنتها زمناً طويلاً ، أثرثر بكثير من الكلام ، وأفرغ شتائم قذرة ... نهرني :
-    لا تشتم ،
-    "..." نصفك الثني أيضاً ،
تغيرت ملامح وجهي ، امتقع لونه ، ارتخى ساعدي فغلت مني ، رائحة قبله تمطرني ، تجهم ، خفت مداعبته ، كدت أصرخ " هؤلاء غرباء " ، فضّلت الابتعاد والهروب ، شعرت أنه جاء خلفي يطاردني ، أسرعت الخطى ، أخترق صفوفاً تملأ السرداب الطويل ، أشعر به يطردني ، يمرق حذاؤه بجواري ، أقف بذهول ، " هل يفعلها حسين ؟" ضغطت على الحذاء ، وصل إلى جانبي ، احتضنني بشيء من التمثيل ، نخترق الصفوف معاً متلاصقين ، ازداد خفقان قلبي ، دفعت حذاءه بشقاوة أفعل بها كمهرة لاعبي الكرة ، دفعتها من تحت قدمي بعيداً فغضب ،.
***

ج) – الحسم


عندما بدأ مساء ثقيل يهبط كنا أنا ومحمد نمضي عبر طرق متعرجة ضيقة ، حتى وصلنا إلى قلب ساحة " الحل والربط " الساحة الكبير ، دلفنا إلى الداخل ، تلألأت إضاءة مشعة في وسطها ، أحاطتها بيوت بيضاء تطوقها أشجار عالية ، تحجب الرؤيا من كل جانب ، لا تعطي لأحد رؤية ما في داخل الساحة من خارجها ، اتبعت محمداً داخل الساحة متهيباً ، مضى مسرعاً كانت الساحة توحي لنا أننا ذاهبون إلى حفلة ، تساءلت أما من أحد يأتي الساحة إلا لحفلة .. لماذا أتيت ؟
عجبت ..! محمد صديقي يخبئ عني هم وعبء هذه الدروب ، كنت أخمن داخل نفسي ، أنه يتحاشى أن يخدش مشاعري ، اهتدينا إلى وسط الساحة ، وسط هذه المتناقضات ، مضينا إلى طاولتين تلتف حولهما نساء القرية ، وجدنا عمتي تتصدر واحدة ، وتتصدى الأخرى أمي ، حول كل واحدة صديقاتها ، علت البسمة وجه أمي ، وتجهّمت عمتي بادرت إلى طاولتها ، ألقيت عليها السلام ، ابتسمت للنساء اللاتي معها ، عرجت إلى أمي ، قبّلت رأسها ، ولم اسلم على النساء اللاتي معها ، كن من خالاتها وقريباتها وصديقاتها ، أحسست أن القرف يأكلني ، يبتلعني ، وتكاد روحي تفارقني ، سحبت محمداً ، وأخذته إلى خارج الساحة ، وجدت مليحة زوجتي بهدوئها ودماثة خلقها ، وصمتها الطبق ،وسكون وجهها ليزداد الموقف غموضاً ، والتفاف أطفال القرية حولها ، سعيت فرحاً بها ، اقتربت منها تظاهرت أنها مشغولة ، وستأخذ الأطفال ليتبولوا خارج الساحة بسرعة ، كأنها قرأت في عيني فجيعة وخوفاً ، انتبهت إلى أنها عليمة بحالي وحالاتي ، تماسكت ، حاولت أنا تمضي بهدوء ، قلت لها :
-    ما رأيك ؟
-    ما رأيك ؟
شعرت أنني مشحون بمتناقضات كثيرة ، خشيت إ، تراجعت أن تزداد صلابتها ، وتجاهلها لي ، فسكت ، بكى طفل يتبول جنبها ، قالت عيناه الدامعتان :
-    ماذا ستفعلون بنا ؟
قلت لنفسي :
-ماذا فعلوا بنا وماذا سنفعل بغيرنا ؟
مسحت على رأسه بعطف .سحبني محمد خارج الساحة ، تلصصنا النظر بين الأشجار العالية ، نراقب الداخلين والخارجين ، أخذتنا روعة منظر القرية المقابلة ، تبدو جميلة ،نتبين أنوارها في عرض الجبل ، انتبهت إلى أننا قضينا بعض الوقت ، اسثحيته للعودة ، سمعته يقول نكات كثيرة على نفسه ، وعليّ وعلى الناس ، قال بحزن :
- زوجتي السابقة بنت الشاعر مبارك القحم ، كانت بنتاً غاية في النبل والجرأة طاعة لي ولأهلي ، صادقة خدومة ، لم يحدث أن تبرّم أحد منا للآخر أو عنه ، رزقنا الله بنتاً بعد سنوات من زواجنا أسميتها " بسمة " وسكت .
- قلت : ماذا حدث ؟
أطلق زفرة ثم قال :
-    طلقتها ... وسكت.
ظن أنني سأسأله كنت غارقاً فيما لا أعرف ، قال : أتعرف لماذا ؟
-    لا ...
-    لأننا لم نسمّ " بسمة " باسم أمي ،
كنت أضحك ، قدرت موضوعاً تافهاً ، عدنا إلى الساحة كان موعد الحسم قد حان تمنيت أن تأتي مليحة ، سنتبادل منفردين أدق حديث ، لكنها أخلفت ... وصلنا الساحة ، فوجدنا الناس يغادرونها أيضاً ، يركبون الباصات عائدين للقرية ، رأيت عمتي تبينت ورقة مطوية في يدها ، حسبتها " وثيقة " قلت لنفسي :
-    " ربما فعلتها مليحة ... لكنني على أية حال لم أفعلها ولن أتجرأ ..."
ركبت الباص التالي ، كان الناس يتحاشرون في داخله ، تعلقت في مؤخرته ، جذبني أصدقائي من شباب القرية ، ظللت في المؤخرة ، أتشبت في مقعدي ، مرّ بي طرف ثوب أحمر ، شددته ، أعارتني صاحبته أذنها ظننتها مليحة ، همست لها من الخلف :
-    ما ذنبنا في هذا العالم وما ذنب ...
كنت أتحدث في هذا ، داهمني حالاً صوت صاحبة الثوب الأحمر :
-    أنا كرشة ، لست مليحة ،
لاحظت أن خالتي حسنية تراقبني ، كانت قريبة من مقعدي ، زمت وجهها متبرمة ، خشيتها ، فأنا لا أحبها بالقدر الكافي ، وهي تكرهني ، أجهل السبب حتى الآن ، علّلت مرة هذا الجفاء ، وقدرت أنه بسبب زوجها ، فهو رجل كريه ، له أولاد يشبهونه قالت بجرأة وصوت عال شامتة :
-    عيال آخر زمن ...!
ابتلعت خجلي ، سكت على مضض واستحياء ، وشعرت أنها تهزأ بي . حاولت الدفاع عن نفسي بأي طريقة ، اقتربت منها ، تظاهرت بالزحمة ، تحركت ولكزتها بكوعي ، زاد تقريعها لي وسط جلجلة الضحكات علانية ، شاركها أصدقائي شباب القرية ، عادت كرشة من البحث عن مليحة ، قالت بصوت جهوري :
-    مليحة ليست في هذا الباص
عمّ الاستياء ، أدليت قدمي من مؤخرة الباص ، أدرت رأسي لأصدقائي شباب القرية أداري حيائي مازحاً :
-    ما أخبثكم أولاد الرباعية والكلالية ، سقطت على الأرض ، شعرت أن الحياة تدب في أوصالي من جديد ، وقفت على قارعة الطريق أنتظر في اللانهاية ، أفكر في مغادرة القرية نهائياً ، اتجهت إلى قهوة في الجانب الآخر من الطريق ، لاحظت أنوار سيارة آتية ، انتظرت حتى تمضي لأعبر ، وصلت ، وقفت جانبي ، تبينت ثلاثة رجال بداخلها ، أطل السائق برأسه كان رجلاً فلسطينياً أشيب ، بادرني قائلاً :
-    لإلى أين يا أخ ؟
أشرت بسباتي إلى القرية ، تعالت الضحكات وسط الظلام ، أومآ لي ، صعدت إلى السيارة ، فوجئت بجهاز تلفزيون يبث مباراة كرة قدم ، أسمعوني أغاني أحبها ، انطلقت السيارة في الاتجاه الآخر ...

***

د)- الإغمائية


نقف على رأس بئر الطلقي ، نقصد الذهاب خلف الجفار الصغيرة السوداء ترعى ونحن نتحدث ، قال لي محمد :
-    انفروا الطير من الحبلة . انتظروني ....
قلت : لا ... سأسبقك وأنتظر هناك حتى تلحقني
-    اتفقنا ،
قطعت الوادي ، عبرت الماء ، دخلت جوف الجبل ، وجدت يحيى وأخاه يدخنان في الغار ، يستعدان للعبة " الإغمائية " . قعدت، جاء محمد ، وجدنا نستعد جميعاً للعبة ، سأل عن قواعد اللعبة ، شرح له يحيى الفكرة ، استهوته ، همس يحيى في أذني :
-    من هذا ؟
صديق أديب ، شاعر ،
أعلمته بصوت عال ، اندمج الجميع حالاً في اللعبة ، بدأنا بسرعة نتقمص أدوارنا ، مضيت إلى خارج الغار ، وصلت بطن الوادي ، رأيت الناس يتدافعون إلى الساحة ، عدت للبحث عن محمد داخل الغار ، في الجبل ، وجدته خارجاً يحمل طفلة صغيرة ، تحمل في فمها رضاعة ، وتجول محمد بالطفلة بين الناس ، اقتربت منه ، حث خطاه صامتاً ، كانت امرأتان جميلتان إلى جانبه ، الناس يتدافعون أرتالاً إلى بطن الوادي ، ويقف آخرون خلف الزراب ، مضى محمد يحمل الطفلة ، وتتبعه المرأتان بطول الوادي ، تتبعتهم ، جرى حديث غير ودي بينهم ، انتابني شعور أن لا صلة   لمحمد بهاتين المرأتين ، كنت أظن إحداهما أماً للطفلة .
صاحت فتاة تقف خلف زربة ، توعدت محمداً هددته ، أرتبك بشكل لم أعهده فيه من قبل ، طأطأ رأسه ، ووضع الطفلة فوق صخرة – نبهني بطريقة ذكية المحافظة على الطفلة _ فهمت _ واستجبت لطلبه ، كانت الفتاة المتوعدة آتية لتأخذ الطفلة ، أ.بدت الفتاة ، توعدت ، غاب محمد في لمح البصر .
الناس يتدافعون بكثرة إلى بطن الوادي ، المرأتان تختفيان فجأة فور غياب محمد، كأن الأرض انشقت وابتلعتهما ، لمحت الفتاة الغاضبة آتية من بعيد غافلتها ، سرقت من المال الموضوع بجانب الطفلة ، مرت الفتاة بجانبي ، كنت قد ابتعدت قليلاً عن الطفلة ، شتمتني بكلام مبهم ، تجاهلتها كأن لا يهم شيء ، وتوجست خيفة أن يكون محمد أقدم على اختطاف الطفلة ، قلت لنفسي :
لن يفعلها إلا لنواحِ ِ إنسانية .... فماذا أصابه ؟
أجبت نفسٍ :
-    أنتظر ... سأنفرد به وأسأله لماذا فعلها .؟
-    حاولت اللحاق به وسط هؤلاء الناس ، رأيت أمماً تتدافع إلى بطن الوادي ، دفعني فضولي لمعرفة سبب تجمعهم ، اقتربت وسط التجمعات ، سمعت أنين رجل حاول اختطاف امرأة فأصيب ، اقترب مني جندي سألني :
-    - هويتك ؟
-    فرنسي ..
تطلعت إلى وجهه رأيته صافياً متسامحاً ، أحببت مداعبته مضى خطوتين ثم عاد محتجاً ، حاولت إفهامه ، أصّر على إبزاز هويتي ، أبرازهتها ، ارتفع جدال عقيم بيننا جاء رجل أكبر رتبة منه وأجمل هيئة وطلعة ، سألني :
-    ما الموضوع ؟
أفهمته الحقيقة ، ظل الجندي صامتاً ، أبدى الآخر تعاطفاً واضحاً ، قدر أني لم أخطئ ، قال دون اكتراث :
-    تعال معي ،
مضيت وراءه ظل الجندي يتبعنا صامتاً ، حاولت إقناع الرجل ببراءتي ، اكتفى بابتسامة صافية ، وصلنا مدخل زربة الصنعاء ، انتبهت لوجود آخرين ، عرفت مرعي ، بادرني بالسلام ، جلس الرجل جميل الطلعة فوق مقعد خشبي مستطيل ، ظللت واقفاً ، انتصب الجندي خلفي صامتاً ، قال الرجل جميل الطلعة لمرعي مبتسماً ومشيراً إليّ :
-خذوه ن
ضحك مرعي ، كان كبير الثقة بي ، مضيت إلى بطن الوادي لإحضار كفيل ، وصلت بطن الوادي ، كانت الساحة خالية من الناس ، تلفت يمنة ويسرة ، تساءلت :
-    أين ذهبت تلك الأمم ؟
كنت أتلفت فلا أجد إلا خيالي ، كأني للتو أفقت .
فجأة ...! رأيت سيارة آتية من بعيد ، وصلت كانت سوداء فاخرة ، هبط منها محمد ، تتبعه ثلاث فتيات جميلات ، لمحت الشاعر مبارك القحم يصعد الجبل ، يكاد يغيب في قمته ، كان الجميع في ظاهر السعادة والرضاء ، سألني محمد على حين غفلة :
-    ما رأيك ؟
-    أبحث عن كفيل ،
-    سأل ساخراً .... وقال :
-    ذاك القحم " العجوز " فا لحقه ،
-    قالت أخته الكبرى وكانت واحدة من الثلاث الجميلات شقيقاته عطفاً بي :
-    اقعد ،
قعدت فتح محمد شنطة أخرج مالاً ناولني منه ، قسم الباقي بين شقيقاته الثلاث ... قال حاسماً :
-هيا اذهبوا ....!