بحث في الموقع

( 1 ) صحو

أفتح عيناي ، وإضاءة باهتة متناهية ، تفترش الزاوية البعيدة المواجهة من الممر ..
صوت منغوم بضحكة ماكرة يتداعى إلى أذني ، وبقايا خدر يثقل رأسي ، امتد لأختفي في الظلام ، يسقط نظري على عقارب الساعة ، والزمن والمكان لا يهماني ..
جفاف في حلقي وفمي ، يجبرني لأنهض ، أبحث عن زجاجة ماء ، أتناولها ، وأنزوي في الركن الآخر للباب ، أفرغها في فمي متوجسا ، لئلا يكون قد حل زمن الخيط الفاصل بين الأبيض والأسود ، ضحكة نابهة تستفزني ، صاحبها لا زال مستلقيا في الركن المطفأ من الغرفة ، أخطو إليه ، وقد كدت قبل ثوان أتعثر به ، أناوله زجاجة الماء ، أستره بجسمي ليظل يشرب في الظلام .
صديق أودعني مذياعا ، يدخل وكأنه يعرف إنني هنا ، في قرارة نفسي أشعر بالانتقال من طرف الخيط ، إلى الطرف الآخر ، وانتزعت مني كآبتي وقرفي وكسلي ....
يدخل صاحب الضحكة الماكرة مقتربا مني : ( كيفك .. ؟ ) مميزا نبرات صوته ، ووجهي إلى الحائط ( بخير .. زعلان منك .. ) يلحس نبرته بضعف :
-خير إن شاء الله )
أهمله برهة يعرف كيف ينتهز أنصاف الفرص ، ثم أعلم أنه لم يعد يعنيني في شيء .
الصديق صاحب المذياع يحثني ، لنهم بالرحيل ..
صاحب الضحكة الماكرة : ( انتظر دقيقة .. أريدك ) نتبادل النظرات يحسمها صاحب المذياع : ( أنا في الخارج في انتظارك .. ) ثم يخرج صاحب الضحكة الماكرة صحيفة ملفوفة ، بها كسرة خبز وزبدية فول ، ويضعها شفتاه تنفرج عن ضحكة خبيثة أخرى جديدة داعيا : ( تعال البنات .. أحببن يضيفنك ) أقابله في الجهة الأخرى ويواصل : ( قل لي : لماذا أنت مني زعلان ) ؟ . أتريث لأخبره : في الصباح كنت مكاني ، ظهرك موارابا كان للباب ، معك آخرون ، شاهدتكم من خلال الحائط الزجاجي تتحاورون ، رددت عليكم تحية الصباح . لكنك ظللت ثابتا في مكانك تردد( حمار .. حمار ) . وقرأت سر تلك الضحكات من أفواه الآخرين أعرف أن لنظرات عينيك ، من تجربتي معك حكيا آخر...
أكاد أنطق له متمتما : ( أنا الحمار القادم .. ) لكني صحوت ..

( 2 ) البكاء

ثلاثة هم الأصدقاء أتوا لنخرج معا . أتريث لأستمع ومعي ( س ) إلى (ح ) يهاتف حبيبته ، ونضحك على حوارهما ، ويحلف (س ) أن بينهما حوار الطرشان ، وصاح (ف ) والخوف والهلع ينفجران في وجهة :
المرايا وساعة الحائط سقطت ..
نلملم الشظايا و (س ) يحثنا لنبتعد ..
مطر وطرق خفيف ..
الطارق في ثياب رثة ، ينقل خطوات متبعة ، الموقف يزداد اضطرابا ، الرجل يبكي و (س ) يغمز لي بسخرية ( هذا الذي يصلح لك .. ) وهم يستأذنون للخروج ..
الرجل القادم شاعر لا يستظرفه الأصدقاء ، وأنا كذلك لا أحبه ، فادعوه لنبتعد ..
الأصدقاء يغادرون بكاءه ، والمطر ..
يخبرني في لحظة ضعف وصفاء ، أنه لا يعرف ، من هو – أباه ، سألته :
ـ أمك ألم تسألها من هو أبوك .. ؟
ـ أمي ووالد أخي أخبروني أنه أبي ..
وفكرت أن ( ناصر ) هو شقيقه ، أبا وأما ، لكنه استطرد :
ـ ناصر شقيقي من أمي فقط ..
ـ وما أدراك .. ؟
ـ أمي أعلمتني بذلك .
ـ وكيف أخفوا عليك هذا .. ؟
ـ سألتهم فلم يعلموني الحقيقة .
قدرت أنه في غاية التعب والعذاب النفسي ، وجاء في خاطري ، أن علينا أن نغيب بعيدا .. ابتعدنا لنصعد قمة رأس الجبل ، وكل ما صعدت ، أخذت بيده لنصعد إلى أعلى .. نصعد ونصعد ونلتقي رجلين كبيرين في السن ، يحصدان محصول الصيف ، نقف عندهما لنسأل عن موقع النبع الجاري . أحدهما عرفني .. الرجل يجادلني ببشاشة ، وأحرص للبحث عن سر منبع النبع ..