بحث في الموقع

البارحة رأيتها ...
كنا ندجن الليل ، والليل طويل ، في مسراب الغروس ، والوجوه الطازجة ، والنار بيننا ، نلتف حولها ، غربة عم حدقان ، وبعض الكبار يفاجئوننا ..
الكهلة فاطمة بنت عيشماء ، تداهن الليل ، لئلا يبعث لها في آخره زبانيته . ولن نكون إلا منهم ...
أعرفها ..
أعرف مشيتها
أعرف ظهرها المتقوس ..
أعرف أنها أدخلت بقرتها إلى القرية ، وعادت تحمل معها طعامها ، أما مباتها ففي العشة الصغيرة ، تدخل في النار ضحى خبزتها ، وتزدردها في الليل ، بحبيبات العنب ، نتربص بها في أول الليل ، ونسمع حنينها ، وأنينها إلى أسلافها .. وفي أخر الليل ، نهب ملء أجوافنا من عنبها ... أراها الآن تدب إلى العشة ، تلقط الطريق بحدسها ( يا الله كم تلقفت هذه الطريق أقدامها ) .
العمة فاطمة بنت عيشماء من بقايا الأجداد ، تتحدث إليهم مرات ، وتعود إلينا منهم بالحكايات السهلة التعامل في زماننا ... نعرفها تأتي ، وتذهب .. البنات يصطففن حولها ، كأنها نارنا نحن الأولاد . أقترب منها النار ، الأولاد ، لم يعدوا لي شيئا ... أقبض على عصاها بتودد ، تبادرني قائلة :
ماذا تفعل هنا ؟
الوادي ندي ، اللعب ، النار ، الأولاد ، الليل ، عنب العمة فاطمة بنت عيشماء ، والناس كلهم ، ( فلماذا أنا ...؟ ) تساءلت :
ولماذا العمة فاطمة ...؟
انتبه لها ، ولسؤالها ..
بنشوة لم أقبض عليها كاملة :
أنت ماذا لك وما للعرس ؟
فكرت قليلا ، قلت في داخلي :
( أنت .. أنا ، وهؤلاء ، كلنا أسرار ) وكدت أقول لها :
الأولاد يسرقون عنبك في آخر الليل ، وتريثت قليلا لئلا تهاجمني .. وكدت أصيح الليلة نحن لغيرك ... تذكرت أنها تحبني ، وتحنو عليّ باسم بقايا أسلافها ، وإنها هي التي تدس في جيبي عيدية أمي في كل عام ، أمضي مسرورا بها ..الليل لن يخوننا أبدا ..زهرة تجاوزت المبنى ...وغربة عم حدقان ، شهادة تكتب في أوراق الزمن ..والعمة فاطمة ترفض الآن ( عرس زهرة ) . لكنني بعد برهة قلت لها بحرقة :
زهرة ياعمة فاطمة .!!!
تلتقط أعواد الحطب وتقودني على غير هدى ، أكتشف أنها الليلة لم توقد نارها بعد ...الأضواء تضيء ( السقيفة ) ، ونار الأولاد تضيء قلب الوادي ، وغربة عم حدقان شاهدة و( نصب ) يخرج من بين التراب ، وتخرج ( زهرة ) الآن يضيئها بياض ..